رغم أنني موافق علي كل كلمة بل كل حرف قاله أنس الفقي لمسئولي القنوات الخاصة فإن هذه الواقعة تكشف أن الحكومة هي المالكة الأولي والحقيقية للقنوات الفضائية الخاصة، وأن هذه القنوات تعمل بتعليمات وأوامر أو سماح أو عدم ممانعة من الحكومة سواء وزارة إعلامها أو وزارة داخليتها!
لا تقول لي بقي حرية إعلام ولا باذنجان ولا قنوات خاصة ولا عامة، كله في حضن الحكومة الدافئ ورهن إشارتها الكريمة وتحت رعايتها الحنونه!
مرة أخري أوافق وأؤيد وأبايع كمان - إن شاالله ما حد حوش - كلام أنس الفقي حول ضرورة معالجة مباراة مصر والجزائر، فقد طالب (أو أمر) الفقي القنوات التليفزيونية - حسب البيان الموزع - بضرورة التعامل الإعلامي مع مباراة مصر والجزائر بمنهج متوازن وتناول هادئ وبشكل موضوعي وألا ندع العواطف تأخذنا بعيداً عن الموضوعية والاحترافية، وأن ننطلق في تناولنا من منطلق قومي وليس إقليميًا واعتبارها مباراة رياضية وليست حدثاً سياسياً.
كلام جميل، كلام معقول مقدرش أقول أنا وليلي مراد حاجة عنه، لكنه عيانًا بيانًا إضافة الي فضحه تدخل الدولة في الإعلام الخاص برأسها وذراعها يفصح كذلك عن مسئولية الدولة عن هذه المعالجة الرديئة والرخيصة التي قامت بها بعض القنوات الفضائية ببرامجها الرياضية التي تناولت مباراتنا السابقة مع الجزائر بمنتهي الغباوة والجهل والغوغائية دون أن ينتبه أحد أو تراجعهم جهة أو يسائلهم أصحاب هذه القنوات، فسلمت مصر شرفها وفكرها وعروبتها لمجموعة من مقدمي برامج متوسطي الثقافة جهلة في السياسة، لا يفهمون إلا في نفاق أبناء الرئيس والإشادة بجهود السادة رجال الأمن في الاستاد!!
لا أشك في أن مقدمي البرامج الرياضية يمكن أن يتحولوا إلي مقدمي برامج إذاعة صوت العرب في الستينيات، وقد تنزل دموعهم حبًا في القومية والعروبة بناء علي تعليمات السيد الوزير، فالمهم عند هؤلاء هو أكل العيش والنحتاية وفلوس الإعلانات!
المشكلة أن تعليمات الفقي منطقية وسليمة مائة في المائة وهي محترمة بجد...ولكننا ندينها بشدة، فالذي يعطي تعليمات من هذا النوع يمكن أن يعطي تعليمات بالعكس، مبدأ التعليمات موجود وبقوة وبالفعل والقنوات الفضائية وبرامجها تنتظر التعليمات والأوامر، وهو ما يضرب مصداقية الإعلام الخاص في مقتل ويكشف قبل انتخابات برلمانية ورئاسية قادمة أن الطبيخ كله يخرج من حلة واحدة ومن طباخ واحد، وأن هامش الحركة الذي يتمتع به بعض مقدمي البرامج ثمنه أنه عند ساعة الجد سيتم استدعاؤه ودخوله فيلق التعليمات والالتزام بسياسة الفقي، أو يتم الغضب عليه ونبذه ومنعه من الخروج علي الشاشة (إلا استثناءات نادرة تكاد لا تُري بالعين المجردة)، لكن هل تعليمات وزارة الإعلام هذه خرجت من تلافيف ذكائها ومخيخ فطنتها أم أن الوزارة نفسها تلقت بدورها تعليمات من فوق (ممن يحبون أن يقولوا عنها القيادة السياسية) بأن يلم الإعلام نفسه ولا يفسد علاقاتنا مع العرب ولا يسيء لسمعتنا أكثر من ذلك؟!، وأغلب الظن أن هذه التعليمات الرشيدة صادرة عن أعقل مكان في النظام المصري!
والحاصل أن الكلام الجميل الصافي الرائق الذي قاله الفقي هو أجدر الناس بالالتزام به واحترامه وتنفيذه، حيث يخالفه أنس الفقي نفسه ليل نهار في تصريحاته وفي برامجه الحكومية والخاصة، ينصح وزير إعلامنا في تعليماته لمسئولي إعلامنا الخاص بالتعامل مع هذا الحدث الرياضي الكبير بمنهج موضوعي متوازن بعيداً عن أي تعصب أو تحيز لجانب دون الآخر، منطلقين من شعار أن المباراة عربية والفائز عربي، طيب ومَنْ الذي يهين الشعب الفلسطيني كل يوم ويسب في حماس والفلسطينيين ويضرب في علاقاتنا مع شيعة لبنان والعراق ويهاجم ويهجم علي قطر ويتعامل معها كأنها عدو رجيم؟!
عمومًا ثقتي هائلة وبلا حدود في عبقرية زعيمي المعلم حسن شحاتة وأنه سيخرج منتصرًا بإذن الله من مباراة الجزائر الليلة، وبعد الفوز سنري انفلاتًا مهوّسًا من هذه الفضائيات والبرامج الرياضية بثًا في حقد وشماتة وتشفيًا في هزيمة الجزائر، وستتم مخالفة التعليمات وسيجد الفقي ورجاله ألف مبرر للتجاوز عن هذه المهزلة وذلك الهزل، أما لو جرت المقادير بما لا يتمناه مصري وانهزم منتخبنا فإننا سنري فضائيات وقوراً ومقدمي برامج مرسومين اتزانًا وهم يحدثوننا أن العروبة هي التي انتصرت، وسيتذكرون ساعتها أن الجزائر شعب عربي شقيق!